يثبّت الذهن اللاواعي بواسطة الغرائز الفطرية و البرمجة التربوية معيارا لماهية البقاء بالنسبة لنا كأفراد. و هذا المعيار هو مختلف بالنسبة لكل واحد فينا. نحن نولد و بداخلنا خوفان لا أكثر: الخوف من السقوط و الخوف من الضوضاء الصاخبة. أما باقي المخاوف فنحن من يقوم بتطويرها من خلال الرسائل التي نتلقّاها من قبل ولادتنا و في طفولتنا و مراهقتنا من آبائنا و معلّمينا و أترابنا. و هي الرسائل التي نثبّتها كاعتقادات راسخة و غير واعية كشباب و كهول.
بعض الناس مثلا هم قلقون بشأن البقاء في علاقة ما، البعض قلقون بشأن البقاء المالي، و ما يهمّ آخرين هو البقاء المادّي. يقوم لاوعينا بتحدّي أي شيء متعارض مع مفهومنا للبقاء. و هو يركّز فوريا على الخطر المدرَك و ينذرنا للقيام بحركة للخلاص. في الإجمال، فإن اللاوعي يفتـش دائما عن خطر مدرَك، تماما مثل ذلك الأب الذي يحذر ابنه من مخاطر السلامة.
من أجل حمايتنا، فإن الذهن اللاواعي ينظر إلى كل شخص أو مكان أو وضعية كما لو أنها مصدر محتمل للخطر. طريقة أخرى للتعريف بالخطر هي السلبية. يبحث الذهن على الدوام بداخلنا و خارجنا عن مصادر للأشياء التي يمكن أن تكون على نحو خاطئ و التي من الممكن أن تؤذينا عاطفيا، ماديّا أو ماليا. إنه يقول: ” انظر! أنت تعرف ما وقع في المرة السابقة” أو “لقد أخبروك أن هذا يمكن أن يقع”. يقوم كل من الذهن و الجسد برد الفعل، و هو ما يقدح استجابة “اهرب أو قاتل”. و ما لم نتحكّم في تفكيرنا، فإننا سنواصل رد الفعل بطريقة سلبية، و سنواصل انحدارنا اللولبي، و هو ما يمكن أن ينتج القلق، التسويف، العنف، و في بعض الحالات، اكتئابا سريريا حادا.
الجزء الأسوأ هو أن يصبح هذا نمط تفكير اعتيادي. يجب علينا أن نقطع هذه الذهنية السلبية التي تزعم بأن حياتنا ليست من أجل خلق حياة ناجحة و سعيدة، و أن علينا أن نصرفها في الدفاع عن أنفسنا ضد كل الأخطار الخيالية و المدرَكة التي تتربّص بنا. لو أن الحال هي فعلا هكذا، فإن حياتنا هي إذن فقط للحماية، و ليست للخلق.
المحور الرئيسي هو أن أفكارنا هي التي تخلق واقعنا. لو أننا ركّزنا على الخطير أو السلبي، فإن ذهننا اللاواعي سيوجّهنا إلى ناس و أماكن و ظروف تبرهن لنا بأننا على حق. من أجل أن يحافظ على الأمن، فإن لاوعينا يبحث دائما كي يبرهن لنا بأن ما نفكّر فيه هو في الواقع حقيقي. لو أنك تفكّر بأنك كلّما كنتَ في علاقة فإن الشخص الذي معك سيهجرك، فإن هذا سيصبح واقعك. سيفتّش لاوعيك آنذاك عن ناس ليأتوا إلى حياتك لتحقيق هذا الإدراك. كلّما كنتَ بين مجموعة من الناس، فإنك ستكون مجذوبا إلى هذا النوع من الأشخاص. لو أنك تدخل في علاقة مع ذلك الشخص، فإنه سيهجرك في النهاية. ثم يمكنك أن تقول: “انظر. لقد عرفتُ ذلك. الجميع يهجرني.” لو أنك تفكّر بأنك ستصاب بمرض ما، أو بأنك ستخسر مالا، فإن لاوعيك سيعينك لجعل هذه الافتراضات واقعا.
عندما لا تتكافؤ نتائجنا في الحياة مع أمانينا، فإننا نحس بأننا مهدّدون. يصبح تركيزنا الأوّلي على البقاء، و لذلك فإننا لن نركّز أكثر على ما نريده، و لكن على ما لا نريده. يصبح حافزنا معتمدًا بالأساس على الخوف، متحرّكين ابتعادًا عما لا نريده، بدل أن نقترب في اتجاه ما نريده. يصبح هدفنا الجديد هو البقاء، و إحدى الطرق لنحمي أنفسنا هو أن ندافع عن وضعيّتنا الحالية و عن أنفسنا. نعبّر عن هذا بالادّعاء بأننا ضحايا حكومات و شركات و مجتمعات و ناس آخرين. نيّتنا الجديدة ليست قلب الخطر إلى تحدّ، و لكنها الدفاع عن أنفسنا و مهاجمة مهما كان ما ندرك بأنه قد يكون السبب في فشلنا. مجالنا الطاقي يواصل انكماشه كلّما شعرنا بالغيرة، اللوم، التبرير الذاتي، الغضب، الخوف، أو الحاجة إلى الهروب. و هذا ما يتسبب في الاكتئاب.
و إلى أن نعزم على التغيير، فإننا سنبقى عالقين.
كلّما لمنا شيئا ما خارج أنفسنا، فإننا في الواقع نحاول التملّص و التهرّب من أن نكون مسؤولين. و بدل أن نكون مسؤولين، فإننا نستعمل جمل التملّص مثل: “هم الذين فعلوا ذلك بي “، “لا أستطيع “، “لا خيار لي “، “لا أدري ماذا أفعل “، “ذاك أنا “، “لو أنه فقط.. “، “لم يخبرني أحد بذلك” و “لو أن الأشياء كانت مختلفة”. جمل التملّص هذه تعمل فقط لتحجيرنا في الحاضر. جمل التملّص كلّها تلفّ حول اعتقاد أساسي واحد، و هو: “أنا لست السبب، أنا النتيجة”. و قد تـُـقال بطريقة أخرى: ” أنا الضحية.”
لو أنك تعتقد في هذا، فإنك تتقاسم سمة مشتركة مع معظم السجناء. الدراسات التي أجريت لنزلاء السجون أظهرت أن 3 بالمائة فقط من النزلاء يعتقدون أنهم مسؤولون عمّا حصل لهم و عن السبب في سَجنهم. إنهم آباؤهم، الفقر، النقص في التربية، تأثير سيئ ما، أو العقاقير هي ما تسبّبت لهم في أن يكونوا حيثما هم. عندما نرفض أن نأخذ المسؤولية فيما نحن فيه في حياتنا، فإننا نصبح سجناء أفكارنا الخاصة. نصبح محبوسين في الماضي و عاجزين على الهروب إلى المستقبل. الأخبار الجيّدة هي أنه ليس علينا أن نهرب من سجن الأخطار و السلبية و الاستحالة: يمكن أن نمشي ببساطة إلى الباب الأمامي و ندير المفتاح الذي في الباب و نخرج، و المفتاح الذي سنديره هو المسؤولية.
الحريّة تأتي عندما تـُـوقف وضع المسؤولية على الآخرين فيما يتعلّق بسعادتك أو نجاحك، أو ظرفك المالي. على الرغم من أن هذا قد يبدو قاسيا، فإن لا أحد يهتمّ بك فعلا إلا أنت. و في توضيح أكبر للأشياء، فإن الناس هم مهتمّون بحياتهم أكثر من اهتمامهم بحياتك. إنهم مشغولون جدّا بمحاولة الخروج من سجنهم الخاص المحدَق بالأخطار و السلبية و الاستحالة. إن كنتَ تنتظر منهم أن يأتوا ليساعدوك على الهروب، كن مستعدّا للانتظار لبقيّة حياتك. هذه المنهجية يمكن أن تهيّئ فقط لمزيد من خيبات الأمل. يمكن للناس أن يعينونا، و لكن يجب علينا أن نأخذ المبادرة و المسؤولية الكاملة فيما نحن فيه و فيما نريد أن نكون.