أكتب هذا المقال و أنا منزعج من واقع البلاد. لست متابعا شرسا للأحداث “الوطنية” و تغيب عني كثير من التفاصيل. و لكن بحكم عملي و التصاقي المباشر بالمواطنين بمختلف شرائحهم قد أستطيع عرض أهم المشاكل في البلاد و اقتراح بعض الحلول الناجعة و السهلة.
أولا، هناك خلل ذهني و شعوري لدى أكثر التونسيين. و هذا الخلل مردّه التربية و التعليم و المحيط التونسي. نحن نتوارث مجموعة لا بأس بها من العقد و المكبّلات لعل أهمّها: أنا ضحيّة. أنا مذنب. أنا فقير. اخطا راسي و اضرب. الحياة ظالمة. الدنيا صعيبة. الهروب إلى الدخان و الكحول و الزطلة و الانترنات. انظر كيف أني أفضل من الجميع. أنا على صواب و الباقي جميعهم مخطؤون. كلامي و فكري هو الحق و ما عداه باطل. يجب أن أستغلّ الموقف لصالحي و آخذ أكثر ما يمكنني الآن. أنا لا أخطئ مطلقا. يجب أن أبدو كاملا في نظر فلّان أو علّان و إلا فإني سأفشل. و إذا فشلت فتلك نهايتي.
ثانيا، هذا الخلل في الأفراد يشمل حتما الأفراد الذين يمارسون السياسة و الصحافة و الإدارة في بلادنا – و غيرها من القطاعات. لست هنا بصدد تعدادها. المهم أن ما يبدو عويصا في التلفاز و الإذاعة و الفايسبوك من “عيوب” لدى “ممارسي السلطة” هو ليس إلا تضخيما لباقي أفراد المجتمع. وسائل الاعلام تستعمل قدرتها على الانتشار لتكريس إحساس بالخيبة و الإحباط لدى الجميع. نحن نضيّع أكثر الوقت في اجترار المشاكل و تبادل انزعاجنا منها، مع غياب اقتراح الحلول، و مع غياب تنفيذ الحلول.
ثالثا، ما يضحكني و يؤسفني في آن واحد هو فكرة الدولة و فكرة السلطة. تمّت برمجتنا على أساس أن الدولة هي الراعية لنا و لمصالحنا. في الواقع، قد تكون الدولة هي آخر من يهتمّ بشأننا. نحن مثلا نتوهّم أن هناك سلطة تنفيذية. أجل، قد تكون هناك سلطة تنفيذية، و لكنها ستنفّذ ما يحلو للممسكين بزمامها. سوف تلقي القبض على من ترى فيه مجرما و سوف تسرّح من ترى فيه بريئا. سوف تجني الضرائب و الرسومات من تفتوفة المال التي نلملمها. سوف تبيع بلادنا لصندوق النقد الدولي خوفا و غباء لأنها لا تمتلك أسطول الجيش الذي يمتلكه ربان هذا الصندوق و لا الشجاعة لطباعة ورقاتها النقدية بمفردها.
رابعا، هناك إحساس بالعجز. لكأننا عاجزون لأن الساسة هم عاجزون. في الواقع، فإن الساسة هم جبناء و أغبياء. حتى الانتهازية التي يمارسونها هي مكشوفة و مفضوحة. ففيما عجزنا إذن؟ لا أدري بشأن النص الديني في حد ذاته، و لكني متأكّد بأن تأويله و فهمهه بالشكل الدارج يكرّس ذهنية عاجزة إلى حد بعيد. قد تكون قادرا على استنباط تأويل محفّز و تقدّمي منه، و لكني أتحدّث عن التأويل السائد: الله سيعاقبك. أنت مذنب و إلا لكنت في الجنة. كلّنا فقراء. القدر يتحكّم في حياتنا. نحن محكومون. أنت ناقص كما أنت. سوف تُحاكم اليوم أو في الآخرة.
الإحساس الذي قد تخرج به هو أن هناك شخصا ما –يُدعى “الله” لسبب أو لآخر – قاعد يستنّى فيك في الدورة. معناها انت تعمل عملة موش في الصراط المستقيم و هو يعطيك على راسك. توا و الا مبعد. و ديما يمشي. و في النتيجة فأنت في وضعية خوف دائم: خوف من الله. إحساس مزمن بالذنب و القصور و العجز و بأنك لا تساوي شيئا سيستفيد منه حتما أولئك الذين يساهمون في نشر هذا الفهم الديني. و أوّلهم رجال الدين السياسي.
كل هذا و غيره ينتج قطيعا من الأغنام التي لا تريد أن تخرج عن الولاء لمستعبدها لأنها لا تدرك أنها تستحق الحريّة.

و الآن، كيف نصبح سعداء و أثرياء و أحرارا في كل هذا؟
يجب أن يبدأ كل واحد بنفسه. صدّقني هذه ليست أنانية و لكنها منتهى الغيرية. أنت لا تستطيع مساعدة الآخرين إن لم تساعد نفسك. و إذا أعجبك هذا المقال و أحسست بأنك تشارك شيئا من أفكاره، اعمل على تناول هذه المواضيع مع نفسك أولا، ثم مع الآخرين.
لا بد من تأسيس حركة توعوية. أعلم أنك لا تمتلك وقت فراغ كبير و لكن لا بأس. حتى الدقيقة التي تصرفها في التفكير في ما تريده بدل التفكير فيما لا تريده – لنفسك و لبلدك- ستكون ثمينة و ذات فائدة. في الحقيقة فإن الأمر لا يحتاج إلى التفرّغ. بالعكس، فهو يحتاج لأن يُنجز بينما أنت منهمك في عملك، في علاقاتك. الآن. الأمر يحتاج لأن تكون أنت ملهما لغيرك.
اقرأ. طالع كل ما لا تعرفه عن التلاعب النفسي، البنى النفسية، الوعي و اللاوعي، التطوير الذاتي، فيزياء الكم، وغيرها. لا حاجة لأن تصبح مختصا في هذه المجالات، و لكنها ستكون فرصة لك لتغيّر الكثير من أنماط التفكير لصالحك. و حين تجد نفسك قادرا، ابدأ في مشاركة ما تعلّمته مع الآخرين. بهذه الطريقة تستطيع مساعدة الناس على التغيّر نحو ما يريدونه.
لا تنتظر أي “سلطة” لتقدّم حلولا أو لتنفّذ حلولا. ليس هناك أي سلطة عدا سلطتك أنت. لا تنتظر دستورا أو حزبا ليجعل العالم كما تريده أن يكون. المهمّ هو أن لا تبقى في وضعيّة انتظار. فلا أحد، للأسف، سيهتمّ بك. أنت فقط ستهتمّ بنفسك. انطلق في تنفيذ ما تراه حلّا لنفسك، ثم للآخرين.
البشرى التي أريد أن أختم بها هي أن تونس لن تصبح أفضل إذا لم نكن نحن أفضل. و لن نكون نحن أفضل إذا لم يكن كل واحد فينا أفضل. باختصار فإن الحل الجذري لتغيير واقعنا هو بتغيير برمجيّاتنا التي تخلق واقعنا. حينها سنحصل على السياسة و الأمن و الحياة و الحريّة و السعادة التي نبتغيها.
هذه عملية تطوّر و نموّ إنساني مستمرّة. و بالمناسبة فهذه ليست وصفة لحل المشاكل، لأن المشكل في الحقيقة، ليس مشكلا، و إنما كيفية تجاوبنا مع المشكل هو المشكل.
أملي أن لا يكون هذا مقالا تحفيزيا. هدفي ليس أن أن أجعلك متحفّزا، و لكن أن أشاطرك بعضا من أفكاري. و أهم فكرة أود أن أتقاسمها معك هو أن المعرفة ليست قوّة. بل التطبيق هو القوّة.
بإمكانك أن تعرف أشياء كثيرة، و لكن تطبيقك لها هو ما يصنع الفارق حقا.
شكرا لك على المتابعة.