النهوض فوق الظلم

ما الذي تفعله عندما تــُظلم، عندما تصل إلى النهاية المُحيفة للصفقة، عندما يقع معاملتك بجور؟ ما الذي تفعله؟ هل تحاول أن تـُـبقي على علاقة ودية مع الأشخاص المتورّطين؟ هل تنجح في المغفرة و النسيان؟ هل تنجح في التخلّص من كل الامتعاض و المرارة، أم أنك تقول لنفسك: “حسنا، أنا أريد أن أكون ودودا، لا أريد أن أنتهي إلى كره شخص ما بسبب مظلمة و لا أريد أن أسمح لهذا الامتعاض و لهذه المرارة أن تصيبني بقرح في المعدة، و لكن لو أنني غفرت و نسيت، فإن المشكل الوحيد هو أنني لن أحصل على العدالة مهما حدث” ؟

هل أن هذه هي الطريقة التي تشعر بها؟ هل تشعر بأن الطريقة الوحيدة لـحل المشكل هي بالتعلّق بمرارتك و امتعاضك و كرهك من أجل أن تدافع عن نفسك ضد المظلمة الأصلية؟ أنت تعرف طبعا، بأن هذا لا معنى له، عندما تفكّر فيه. هذا النوع من عقدة الانتقام و الثأر يوجعك أنت أكثر من الشخص الذي قام بالمظلمة و هو لا يحل فعليّا أي شيء.
لو أنك تفكّر في العدالة لبرهة، أظن أنك ستدرك أن العدالة الحقيقية تعتمد على قانون المحبّة. كلّما ازدادت قدرتنا على البقاء في تناغم مع قانون المحبة هذا، كلّما ترجّح أكثر حصولنا على العدالة في حياتنا. من المؤكّد أننا نعرف أنه كلّما كنا قادرين أكثر على تطهير قلوبنا من المرارة و الامتعاض، كلّما ازداد شعورنا الحقيقي بأنفسنا، و كلّما ازددنا قربا للشعور بهويّتنا بتلاؤم. نحن نعرف بأنه كلّما كنا قادرين أكثر على البعث بالمحبّة و الغفران، كلّما كبر إحساس الحرية الذي نحصل عليه و كبرت القوة الداخلية التي نشعر بها.

كما ترى، فإن المشكل هو في الإبقاء على امتعاضنا، في الإبقاء على بغضنا و ضغينتنا، في رفض الغفران، نحن نفسد و نحبط قوّتنا الداخلية، و نخسر من حيث الإنتاجية الشخصية و السعادة و راحة البال أكثر مما تكلّفت علينا المظلمة المفترضة. و الآن افترض أنك تقيسها في الجانب المالي و تقول: “الآن هذه مظلمة تكلّفت لي عشرة دنانير، و لكن بالكره و الاغتياظ، فإنني سأصاب بقرح في المعدة و هذا سيتكلّف لي ألف دينار.”

Forgiveness Is Freedom !

و ببساطة فإن هذا لا يوفر ربحا تجاريا، أم لا؟ ستجد أنك لو تستطيع أن تنهض فوق المظلمة فإنك ستربح أكثر في القوة الداخلية مما ستتكلّفه لك المظلمة. فكّر في هذا. لو أنك تستطيع أن تنهض فعلا فوقها، لو أنك تستطيع فعلا أن تجد القوة لتقول: “حسنا، إنه ماء تحت الجسر، سأغفر و أنسى”، ستربح مزيدا من النمو، مزيدا من القوة، مزيدا من القدرة مما ستتكلّفه لك المظلمة و ستنتهي برصيد معتبر في خزينة الحياة.

طبيعة الرغبة

يمكنك أن تبدأ بكتابة قائمة بالأشياء التي تبتغيها في حياتك.

 ثم يمكنك أن تكتب قائمة بالأشياء التي حـُـزتها في حياتك.

أولا، أن نرغب في شيء ما يعني أننا نحسّ بأننا لا نملكه. نحن نحس بأننا فارغون، وحيدون، ناقصون أو محرومون، و نعتقد أننا لو نحوز ذلك الشيء أو تحصّلنا على تلك التجربة، فإننا حينها سنحس بأننا ممتلئون و بأننا سنكون سعيدين. إذن فإن ما يقف وراء رغباتنا و بحثنا هو (1)التحفـّـز لأن نكون سعداء، بالإضافة إلى (2)الاعتقاد بأن السعادة تكمن في تحقيق رغباتنا.

و في المقابل، فإن الرغبة هي المشكل. أن نكون في حالة الرغبة هو أن نعاني، أن  نبتغي، أن ننـعـدِم، أن نتوجّع، و هو أن ننظر إلى زمان ما في المستقبل عندما  نحصل على مبتغانا و نكون سعداء. الابتغاء هو نقيض الحيازة. من العادي جدّا أن نحوز شيئا ما. “الحيازة” ليست هي المشكل. المشكل هو أن “نبتغي”، و هو ما يتسبّب في الألم و يمنعنا من التقبّل. تفحّص قائمة المبتغيات التي كوّنتها و انظر إن كان هناك ألمٌ ما لعدم الحصول عليها. لاحظ: أليس أنها حول كل ما ليس بحوزتك؟

إذن فإن الحل لمشكل المبتغيات و الرغبات ينبني على ثلاث أسس: (1) أن ندع عنّا الابتغاء من أجل أن نـُـنهي الألم، مما يسمح (2) بتقبّل ما كان في الأصل بغية و يسمح لنا بأن نعتبر في أذهاننا “الحيازة”، و هو ما يسمح للشيء بأن يأتي إلينا. و أخيرا، (3) و نحن نحس بأننا كاملون فعلا، فإننا نستطيع أن نقرّر أن ندع عنا الإحراز الذي كان منذ بضع لحظات سابقة مهمّا جدّا لنا، لأننا أصبحنا نحسّ بأننا فعلا سعداء في هذا الآن.

التعبير القديم “الغني يصير أغنى و الفقير يصير أفقر” يمكن تفسيره بسهولة. الشخص الغني لا يبتغي المال، لأن لديه الإحساس بأنه له مسبقا، و لذلك فهو يخلق مزيدا من المال. الشخص الفقير يبتغي المال، و لذلك فهو يخلق النقص و “لا-مال”.

إسلام و إعتاق المشاعر و الرغبات يقود إلى فهم مبدئي للطبيعة الحقيقية للتفكير و المشاعر و المبتغيات و الرغبات. هذا كلّه يقع فقط في أذهاننا. اعتقادنا في أنها واقعية و في أهميّة التفكير و المشاعر و المبتغيات و الرغبات هو ما يعطيها أي صبغة “واقعية”. ما إن نبصر بأنها غير واقعية، و أنها فقط مشاعر، فإننا نبدأ في اختبار الحالة القصوى التي نفتّش عنها جميعا، -تلك السعادة الخالية من الحزن، المحبة، الفرحة و “الحيازة”. عندما يكون الذهن- و هو الذي يخلق كل شيء- مطمئنا و هادئا، فإننا نصبح سعداء، كاملين، و فرحين.

 أنتَ لستَ ما تفكّر بأنك أنت. أنتَ لستَ مشاعرك. كل ما تعتقده أو تدركه بأنه نفسك هو وهم. ببساطة: أسلِــم و أطلِــق و اكتشف بأن ما تفكّره هو ببساطة شعور.

انتبه: في أي شارع تسير؟

الفصل الأول:

كنتُ أسير في الشارع،
فواجهتني حفرة عميقة
لم أدرك وجودها، فسقطت فيها.
ضعت…ولا حيلة لي ..
هذا ليس خطئي!

سيتطلب الأمر دهراً للخروج ‼

الفصل الثاني:

كنتُ أسير في نفس الشارع
وهناك حفرة عميقة في الطريق
وسقطت ثانية.
أنا لا أصدق أنني في المكان نفسه مرة أخرى!
ولكن، هذا ليس خطئي أيضا!
سيتطلب الأمر وقتاً طويلا للخروج!

الفصل الثالث:

كنتُ أسير في نفس الشارع
وهناك حفرة عميقة في الطريق
إنني أدرك أن هناك حفرة و أنا أراها.
ولكنني سقطتُ مرّة أخرى! إنها العادة‼
عيناي الآن مفتوحتان، و أنا أعرف أين أنا.
إنه خطئي.
وخرجتُ على الفور.

الفصل الرابــع:

كنتُ أسير في نفس الشارع
وهناك حفرة عميقة في الطريق
لم أسقط . التففتُ حولها.

الفصل الخامس:

سرتُ في شارع آخر أعرف أنه لا حـفــر فيه..

قالب البقاء

يثبّت الذهن اللاواعي بواسطة الغرائز الفطرية و البرمجة التربوية معيارا لماهية البقاء بالنسبة لنا كأفراد. و هذا المعيار هو مختلف بالنسبة لكل واحد فينا. نحن نولد و بداخلنا خوفان لا أكثر: الخوف من السقوط و الخوف من الضوضاء الصاخبة. أما باقي المخاوف فنحن من يقوم بتطويرها من خلال الرسائل التي نتلقّاها من قبل ولادتنا و في طفولتنا و مراهقتنا من آبائنا و معلّمينا و أترابنا. و هي الرسائل التي نثبّتها كاعتقادات راسخة و غير واعية كشباب و كهول.
بعض الناس مثلا هم قلقون بشأن البقاء في علاقة ما، البعض قلقون بشأن البقاء المالي، و ما يهمّ آخرين هو البقاء المادّي. يقوم لاوعينا بتحدّي أي شيء متعارض مع مفهومنا للبقاء. و هو يركّز فوريا على الخطر المدرَك و ينذرنا للقيام بحركة للخلاص. في الإجمال، فإن اللاوعي يفتـش دائما عن خطر مدرَك، تماما مثل ذلك الأب الذي يحذر ابنه من مخاطر السلامة.

 من أجل حمايتنا، فإن الذهن اللاواعي ينظر إلى كل شخص أو مكان أو وضعية كما لو أنها مصدر محتمل للخطر. طريقة أخرى للتعريف بالخطر هي السلبية. يبحث الذهن على الدوام بداخلنا و خارجنا عن مصادر للأشياء التي يمكن أن تكون على نحو خاطئ و التي من الممكن أن تؤذينا عاطفيا، ماديّا أو ماليا. إنه يقول: ” انظر! أنت تعرف ما وقع في المرة السابقة” أو “لقد أخبروك أن هذا يمكن أن يقع”. يقوم كل من الذهن و الجسد برد الفعل، و هو ما يقدح استجابة “اهرب أو قاتل”. و ما لم نتحكّم في تفكيرنا، فإننا سنواصل رد الفعل بطريقة سلبية، و سنواصل انحدارنا اللولبي، و هو ما يمكن أن ينتج القلق، التسويف، العنف، و في بعض الحالات، اكتئابا سريريا حادا.
الجزء الأسوأ هو أن يصبح هذا نمط تفكير اعتيادي. يجب علينا أن نقطع هذه الذهنية السلبية التي تزعم بأن حياتنا ليست من أجل خلق حياة ناجحة و سعيدة، و أن علينا أن نصرفها في الدفاع عن أنفسنا ضد كل الأخطار الخيالية و المدرَكة التي تتربّص بنا. لو أن الحال هي فعلا هكذا، فإن حياتنا هي إذن فقط للحماية، و ليست للخلق.

المحور الرئيسي هو أن أفكارنا هي التي تخلق واقعنا. لو أننا ركّزنا على الخطير أو السلبي، فإن ذهننا اللاواعي سيوجّهنا  إلى ناس و أماكن و ظروف تبرهن لنا بأننا على حق. من أجل أن يحافظ على الأمن، فإن لاوعينا يبحث دائما كي يبرهن لنا بأن ما نفكّر فيه هو في الواقع حقيقي. لو أنك تفكّر بأنك كلّما كنتَ في علاقة فإن الشخص الذي معك سيهجرك، فإن هذا سيصبح واقعك. سيفتّش لاوعيك آنذاك عن ناس ليأتوا إلى حياتك لتحقيق هذا الإدراك. كلّما كنتَ بين مجموعة من الناس، فإنك ستكون مجذوبا إلى هذا النوع من الأشخاص. لو أنك تدخل في علاقة مع ذلك الشخص، فإنه سيهجرك في النهاية. ثم يمكنك أن تقول: “انظر. لقد عرفتُ ذلك. الجميع يهجرني.” لو أنك تفكّر بأنك ستصاب بمرض ما، أو بأنك ستخسر مالا، فإن لاوعيك سيعينك لجعل هذه الافتراضات واقعا.
عندما لا تتكافؤ نتائجنا في الحياة مع أمانينا، فإننا نحس بأننا مهدّدون. يصبح تركيزنا الأوّلي على البقاء، و لذلك فإننا لن نركّز أكثر على ما نريده، و لكن على ما لا نريده. يصبح حافزنا معتمدًا بالأساس على الخوف، متحرّكين ابتعادًا عما لا نريده، بدل أن نقترب في اتجاه ما نريده. يصبح هدفنا الجديد هو البقاء، و إحدى الطرق لنحمي أنفسنا هو أن ندافع عن وضعيّتنا الحالية و عن أنفسنا. نعبّر عن هذا بالادّعاء بأننا ضحايا حكومات و شركات و مجتمعات و ناس آخرين. نيّتنا الجديدة ليست قلب الخطر إلى تحدّ، و لكنها الدفاع عن أنفسنا و مهاجمة مهما كان ما ندرك بأنه قد يكون السبب في فشلنا. مجالنا الطاقي يواصل انكماشه كلّما شعرنا بالغيرة، اللوم، التبرير الذاتي، الغضب، الخوف، أو الحاجة إلى الهروب. و هذا ما يتسبب في الاكتئاب.
و إلى أن نعزم على التغيير، فإننا سنبقى عالقين.

كلّما لمنا شيئا ما خارج أنفسنا، فإننا في الواقع نحاول التملّص و التهرّب من أن نكون مسؤولين. و بدل أن نكون مسؤولين، فإننا نستعمل جمل التملّص مثل: “هم الذين فعلوا ذلك بي “، “لا أستطيع “، “لا خيار لي “، “لا أدري ماذا أفعل “، “ذاك أنا “،  “لو أنه فقط.. “، “لم يخبرني أحد بذلك” و “لو أن الأشياء كانت مختلفة”. جمل التملّص هذه تعمل فقط لتحجيرنا في الحاضر. جمل التملّص كلّها تلفّ حول اعتقاد أساسي واحد، و هو: “أنا لست السبب، أنا النتيجة”. و قد تـُـقال بطريقة أخرى:   ” أنا الضحية.”

لو أنك تعتقد في هذا، فإنك تتقاسم سمة مشتركة مع معظم السجناء. الدراسات التي أجريت لنزلاء السجون أظهرت أن 3 بالمائة فقط من النزلاء يعتقدون أنهم مسؤولون عمّا حصل لهم و عن السبب في سَجنهم. إنهم آباؤهم، الفقر، النقص في التربية، تأثير سيئ ما، أو العقاقير هي ما تسبّبت لهم في أن يكونوا حيثما هم. عندما نرفض أن نأخذ المسؤولية فيما نحن فيه في حياتنا، فإننا نصبح سجناء أفكارنا الخاصة. نصبح محبوسين في الماضي و عاجزين على الهروب إلى المستقبل. الأخبار الجيّدة هي أنه ليس علينا أن نهرب من سجن الأخطار و السلبية و الاستحالة: يمكن أن نمشي ببساطة إلى الباب الأمامي و ندير المفتاح الذي في الباب و نخرج، و المفتاح الذي سنديره هو المسؤولية.

الحريّة تأتي عندما تـُـوقف وضع المسؤولية على الآخرين فيما يتعلّق بسعادتك أو نجاحك، أو ظرفك المالي. على الرغم من أن هذا قد يبدو قاسيا، فإن لا أحد يهتمّ بك فعلا إلا أنت. و في توضيح أكبر للأشياء، فإن الناس هم مهتمّون بحياتهم أكثر من اهتمامهم بحياتك. إنهم مشغولون جدّا بمحاولة الخروج من سجنهم الخاص المحدَق بالأخطار و السلبية و الاستحالة. إن كنتَ تنتظر منهم أن يأتوا ليساعدوك على الهروب، كن مستعدّا للانتظار لبقيّة حياتك. هذه المنهجية يمكن أن تهيّئ فقط لمزيد من خيبات الأمل. يمكن للناس أن يعينونا، و لكن يجب علينا أن نأخذ المبادرة و المسؤولية الكاملة فيما نحن فيه و فيما نريد أن نكون.

كيف نتخلّص من الإرهاب؟

11 سنة مرّت على 11 سبتمبر 2001، تاريخ حدث هزّ كما يبدو الوعي الجماعي العالمي و لم يقعده. و أتاح استعمال مصطلح الإرهاب في قالب معيّن.
و لكن بعيدا عن التعبئة الإعلامية الممنهجة لهذه الكلمة، ما هو الإرهاب في معناه اللغوي المباشر؟

قد ترهبك الاستعمالات المتعددة لهذه الكلمة، و لكن الإرهاب هو ببساطة “إثارة الخوف”.

و أنت تنظر فيمن حولك من الكائنات البشرية ستلحظ أن المحرّك الأساسي لغالبيّتهم هو الخوف. دعنا نفصّل هذا بعض الشيء.

في المجال الذاتي مثلا، أغلب البشر يخافون من سبر أغوار أنفسهم و يخافون من ارتكاب الأخطاء و يخافون من النجاح و من الفشل في آن واحد، بل إنهم في الواقع يخافون من الخوف نفسه، فيزدادون خوفا.
أما في مجال الصحة الجسدية، فتجد أن غالبية الناس يذهبون للتداوي و هم في حالة خوف من الأمراض التي أصابتهم و من الأمراض التي يمكن أن تصيبهم و قد تلحق بهم الأذى و الموت. و يأكلون خوفا من أن يجوعوا، و يجوعون خوفا من أن يسمنوا.
و في مجال العلاقات المقرّبة، فإن غالبية الناس قد يبقون بدون ارتباط عاطفي خوفا من أن يرتبطوا بالشخص الغير مناسب أو خوفا من أن يفقدوا حريتهم بالارتباط، و قد يرتبطون في علاقات حميمية خوفا من النقص في الإحساس بالحب، و غالبا ما يتزوّجون خوفا من أن يبقوا بدون أي زوج يهتم بهم و يوفّر لهم ما يحتاجونه. و ينجبون خوفا من أن يبقوا بدون سند قرب الموت أو وريث بعد الموت، و لا ينجبون خوفا من أن يكون خليفتهم مشوّها خلقيا أو ذهنيا أو عاطفيا أو عاطلا مهنيا أو اجتماعيا..
و فيما يخص باقي العلاقات الاجتماعية، فكثير من الناس يخافون و يحذرون من الآخرين و من الانخراط معهم في تفاعلات أغلبها سيقوم حتما على الغش والوصولية و التحايل و الاستغلال و قلّة الثقة، و غالبا ما تنتهي بالعراك و العنف و الاغتصاب..
و في المجال المهني و الدراسي، تجد كذلك أن غالبية الناس تعمل و تدرس خوفا من أن لا تحصل على الشهادة كباقي الناس و المكانة الاجتماعية و الممتلكات المادية و المهنة التي توفّر لهم كميّة الأموال التي يظنون أنها لازمة لهم.
في المجال المالي أيضا، غالبية الناس تخاف من أن لا تتحصّل على الأموال التي يظنون أنها ستكفيهم و ستسعدهم. كيف لا يخافون و البلاد و كل العالم في أزمة اقتصادية و مالية خانقة و الأسعار في ارتفاع مستمرو البترول في تناقص مستمر؟
أما في المجال الروحي فحدّث و لا حرج. معظم المتديّنين ستجدهم في أحسن الحالات يلتزمون بسلوك ديني معيّن خوفا من عقاب قد يسلّطه عليهم إلاههم الغاضب أبدا و الحانق و المتجبّر، و في أكثر الحالات هم ملتزمون بذاك السلوك خوفا من أن يفقدوا منزلة اجتماعية ما أو خوفا من عقاب و غضب رجال الدين و أشباه رجال الدين و بقية الوسطاء الدينيين.

دوّامة الإرهاب هذه هي غير جديدة على الوعي الإنساني. و هي لم تنتظر حدثا يتمّ الترويج له كما لو أنه الحدث الأكثر إرهابا في تاريخ البشرية. نحن نحيا وعي الإرهاب منذ زمن بعيد.

كيف كان لحدث 11 سبتمبر 2001  أن يكون دون أجهزة التلفاز و الاستعراض الإعلامي الذي رافقه و لحقه؟ كان يمكن أن يمرّ عاديا و مقبولا في نظر الناس مثلما تمرّ كثير من عمليات التفجير و القتل و الحروب في العالم، و غير ذلك من طرق الإرهاب الصحي و العاطفي و الفكري و الاجتماعي و المالي و الديني و البيئي في حياة كل إنسان.

و لكن ما السبب في  إثارة هذا الكم الهائل من الخوف؟

في الواقع، فإن المتسبّب الأول في هذا الإرهاب هو “الأنا”. أجل. إنه أنا و أنا-ك و أنا كل إنسان غير مدرك لكينونته الكاملة.
و ما هو الأنا؟ يمكن أن نختصر تعريفه في أنه جهاز النجاة من الموت –أو جهاز البقاء على قيد الحياة. يقوم هذا الجهاز بتشغيل الآليات الدفاعية المتاحة له على غرار الخوف و الشك و القلق و الغضب كلّما استشعر خطرا يهدّد حياة الإنسان. ما من مشكل خاص في هذا الجهاز. فهو فعّال و مفيد في حالات الخطر الحقيقية. تخيّل مثلا أني أحاول أن أدفع بك من على سطح بناية شاهقة. سيتفطّن أناك للهلاك و سيجعلك تحس بالخوف و ستبتعد لإنقاذ نفسك بشكل أوتوماتيكي. المشكل هو عندما نمكّن هذا الجهاز من السيطرة على وعينا بحيث أنه يجد في كل تحد خطرا، فتكون الأخطار التي نخاف منها هي غير حقيقية. ما من مشكل في الخوف في حد ذاته. فهو آلية دفاعية لاأكثر و لا أقل.
باختصار، فإنك عندما لا تتحكّم في أناك، فإنه هو من سيتحكّم فيك.

ما يرهب الناس في أغلب الأحيان هي أخطار غير حقيقية، و هي تعطّل حياتهم و تستعبدهم أكثر مما تحميهم من الهلاك. بل إنها هي ما يقودهم إلى الهلاك.
ما يرهب الناس في واقع الأمر هو الاعتقاد السائد بالقلّة و الندرة. النجاح صعب بل و مستحيل. الثقة بالنفس هي مسألة مثالية. الصحة الجيّدة و الجسد الرشيق أشياء خيالية و تتطلّب كثيرا من المال و الوقت و المشقـة و الجهد و العناية و المعرفة غير المتوفرة حاليا. الأزواج الطيّبون والأبناء الصالحون و الأصدقاء الحقيقيون هم عملة نادرة. عروض الشغل غير متوفّرة بسبب الأزمة الحادة. و الدراسة تحتاج إلى تضحيات جسيمة و مرهقة و الشهادة لا تنفع في سوق الشغل في النهاية. ضخُ المال يخضع إلى توازنات مالية معيّنة و هو يعمل لصالح فئة قليلة تتحكّم في كل شيء. أما عن الله فإنه قد افتقد الرحمة منذ أن أنزل بآدم و حواء إلى الأرض و هو يضيّق بشدّة على كل إنسان لا يتّبع الصراط الذي اختاره له الوسطاء الدينيون.

هذه الاعتقادات قد تبدو حقيقية للكثير من الناس لأنهم آمنوا بها، و لذلك فهي تتحقق لهم فعلا. و على الرغم من أنها تعطّلهم في حياتهم فإنهم عن غير وعي يواصلون الإيمان بها.
كيف نتخلّص من الإرهاب الذي نفرضه على أنفسنا إذن؟

يكون ذلك بالتماهي و الانسجام أكثر مع الحقيقة.
و من بين الطرق المتاحة لتحقيق هذا هي بتغيير الاعتقادات الخاطئة التي نؤمن بها. و كخطوة أولى لا بد من استكشاف المعلومات و المعارف الجديدة الأكثر قربا للحقيقة و التي تخرجنا من حالة الاستسلام و منطقة الراحة.

هل تعلم مثلا أن 99.999999% من الكون-و بالتالي من جسدك و من السيارات و من الأوراق المالية و المنازل و باقي الناس- هو فراغ متكوّن من الطاقة؟ و أن 0.0000001% الباقية من الكون- و التي نراها فنسمّيها مادّة- هي في واقع الأمر فوتونات ضوئية-أي طاقة أيضا- تخرج و تدخل إلى مجال رؤيتنا بمعدّل 1.000.000.000.000.000.000.000 مرّة في الثانية؟
ما من عالم فيزيائي على الإطلاق. إن هو إلا حلم. و حيثما توجّه طاقتك فإنك ستحقّق تماما ما تريد.

و الآن هل تعلم أن هذه الفوتونات و هذه الطاقة تتصرّف حسب توقّعات الإنسان؟ و أن هذا الكون هو في تمدّد و تزايد؟ بكل طاقاته و فوتوناته؟

الكون وفير و كل ما تبحث عنه وفير.
الكون رهن إشارتك. رهن تفكيرك و شعورك و إيمانك.