الذات الأكبر و الذات المخلوقة

من أين أتيت؟ عندما نُواجَه بهذا السؤال، فإن أغلبنا سوف يجيب: “من والداي”. غير أن، والداك لديهما والدان، أيضا. و إذا واصلنا النظر إلى الخلف في الزمن، فإننا نرى أن الحياة تتدفّق من خط مستمر للخلق. لو أننا نسأل من أين أتى الخلق، فإنه لا جواب لدينا سوى الخالق الواحد أو الجوهر الكوني. لو أن الأمر هو كذلك، فإنه علينا أيضا أن نكون قد جئنا من الجوهر الواحد أو الخالق الواحد. بكلمات أخرى، حياتنا وُلدت عبر والدينا و ليس من والدينا.

خط التفكير هذا يقودنا إلى الاستنتاج بأننا أكثر بكثير مما نظهر. ماهية من نكون حقا هي الذات الأكبر، لأنها أتت من و قد خُلقت من الخالق الواحد. عندما نفكّر في أنفسنا كأفراد منفردين، فإننا نضيّع رؤية قوّتنا الحقيقية. إنه هذا الإحساس بالانفصال مما نكون حقا، الذات الأكبر، هو بذرة تفكير الاستحالة. بدل التركيز على من نكون، فإننا نركّز على ما قد أصبحنا عليه، و الذي هو ذاتنا المخلوقة.

 ربما قد سمعت عن ظاهرة القرد عدد 100. في أواخر سبعينات القرن الماضي، درست الحكومة اليابانية مجموعة صغيرة من القردة التي تعيش في بضعة جزر متحاذية في الفيليبين. أثناء مراقبة سلوك القردة، فإنهم لاحظوا أن أحد القردة قد اكتشف كيف ينظّف البطاطا من الأوساخ بغسلها في النهر. علّم القرد هذه المهارة لعدّة قردة آخرين، كلٌ في وقته. بعد أن تم تعليم القرد عدد 100، شيء ما جدّ غريب حدث. كل واحد من القردة في المجموعة بأكملها أصبح على الفور قادرا على أداء نفس هذه المهارة بدون أن يكون قد عُلّم. عندما بلغ العدد 100، يبدو أن قفزة كوانتية للوعي قد وقعت بما أن كل قرد كان قادرا على أداء هذه المهارة. يبدو أن هذا يدعم مفهوم الذهن الواحد أو الذهن الكوني.

إدراكنا للوحدة يمكن أن يُنظر له ككون بذهن واحد، و لكن مليارات من الأدمغة الفردية التي تسهم في الكل،  عوضا عن مليارات من الأدمغة الفردية كلّها ذاهبة في اتجاهات مفترقة. نحن نتشارك في الذهن الواحد و الوعي مع كل شيء و كل شخص حولنا، بما في ذلك الحيوانات و النباتات. الذات الأكبر هي امتداد أو تعبير عن الذهن الواحد اللانهائي، و الذي يُمكن أن يُسمّى بعديد الأسماء المختلفة، مثل الروح، الأرض الأم، الإله، القوّة، أو الطاقة ببساطة.

كلمة الإله أصبحت مفرغة المعنى عبر سنوات من سوء الاستعمال. و بسوء الاستعمال أقصد أنها تؤدي إلى بروز اعتقادات سخيفة، ادعاءات و أوهام أنانية مثل إلهي هو الإله الحقيقي الوحيد و إلهك زائف. لذلك أفضّل استعمال أي مصطلح سوى الإله، حتى لا نسقط في فخ إلهي هو أفضل مما يكون إلهك.

العلاقة الروحية هي العلاقة التي لديك مع ما هو بكل شيء محيط -الله، الكون، أو كيفما اخترت أن تسمّيه. و هي العلاقة الرئيسية في حياتك. تركيز الدين كان تعليمنا الصراط الأفضل أو الأوحد الذي يريدنا الله أن نتخذه. كل دين هو مقتنع أن هناك صراطا مختلفا؛ لذلك أسلّم أن جميعهم محقون. ليس هناك من صراط مستقيم أو وحيد. ما هو أهم من صراط معيّن، هو علاقتنا بما هو بكل شيء محيط. لو أننا نفهم بأننا واحد معه و أننا هنا للتعبير عن ذواتنا كخالقين مشاركين، فليس هناك من طريقة يمكن بها أن نكون منفصلين عن المصدر، مهما كان الصراط الذي نتخذه. نحن جميعا في نفس الرحلة و سنصل إلى نفس المقصد. بدل التركيز على المقصد، ربّما يستحسن بنا التركيز على الرحلة. السفرة هي علاقتنا الروحية الحقيقية، و ليس المقصد.

الغالبية الواسعة أخطأت الرسالة التي حاول المعلّمون العظماء مشاركتها مع رفقائهم من الكائنات البشرية منذ بداية التاريخ المُسجّل. سر العصور، الحقيقة التي لا تصدّق و يدركها البعض القليل، هو أنه في مستوى الكينونة، و التي نسمّيها الذات الأكبر، أنت كلٌ، كامل و مثالي روحيا. تماما مثل قطرة الماء التي  لديها كل صفات المحيط، أنت لديك كل صفات الخالق بداخلك.

العلم، الفلسفة و الدين جميعها تعلّم بطريقتها الخاصة بأن هناك جوهريا قدرة واحدة في الكون، و بأننا واحد مع هذه القدرة. أنت و أنا تعابير فردية لكل قدرة الكون. هذا يمكن تسميته ذاتك الأكبر.

نحن لا نستطيع أبدا تحطيم الذات الأكبر بداخلنا. يمكننا أن ننكر بأنها هناك، يمكننا أن نحاول الهروب منها، يمكننا أن نكذب بشأنها، و لكننا في النهاية لا نستطيع تغيير حقيقة أنها ما نكون. ما نحتاج إلى فعله هو الاعتراف بأنها ما نكون و تعلّم كيف نصدّرها من خلال أفكارنا.

The Greater Self & The Created SELF

في المقابل، و في ناحية مهمّة جدّا، أنت قد خلقت الجزء الآخر من نفسك – ذاتك المخلوقة – سواء أدركت هذا أم لا. كل سماتك الشخصية، تكلّفاتك، طرقك في الكلام، طرقك في المشي، تعابيرك الوجهية، إيماءاتك أو حتى طرق التفكير و الاعتقاد، كنت قد استعرتها، قلّدتها، أو صنعتها لوحدك. يمكن أن تكون من والديك أو من أعضاء عائلتك الآخرين، معلّم مفضّل، صديق، أو شخصية في كتاب أو فيلم.

بل لعلّك استعرت من شخص ما لا يعجبك. يمكن أن يكون من شخص ما جعلك تشعر بأنك متضايق أو خائف. تقليد ذلك الشخص ربّما كان طريقة تجعلك تشعر أنك خائف أقل و طريقة لترهيب الآخرين.

من المهم أن تلقي نظرة على الشخصية التي خلقتها. أحد الأسباب التي ربما تحجز بها نفسك عن القيام بهذا هو لأنك كنت مقلّدا. ليس استثنائيا أن تعلَـق في هذا. قد يساعد أن تفهم أنه ما من أحد يستطيع خلق ذاتٍ من الصفر.كل امرئ عليه القيام بنفس الشيء. كل شخص يختار مما هو متوفّر. حتى لو أنك قد بنيت شخصيّتك من خلال التقليد، فأنت لست حيلة. لا أحد سواك مطلقا قد وضع جميعا نفس التوليفة التي لديك بالضبط. لا تنس أن هناك فقط اثني عشر نغمة في المقياس الموسيقي، و مع ذلك فإن عدّة مئات من الآلاف من التوليفات الفريدة و الجميلة قد خُلقت. المسألة كلّها في كيفية وضعها مع بعضها.

الأمر لا يجعل منك شخصا أقل فرادة لأنك أخذت عن الآخرين. الشيء المدهش حول هذا هو أنه نظرا لأنك وضعتها جميعا من الصفر، فأنت تستطيع تغييرها في أي وقت تريد ذلك. أنت لست معطّلا أبدا. ليست كارثة أن تكتشف أنك لست الشخص الذي ظننت أنك تكون. على العكس، فهذه بداية انتهاء الكارثة.

من أجل تغيير التجارب التي تتسبب في الألم و التنافر، من الضروري البدء بفهم واضح بأنك لا تستطيع مطلقا مساعدة نفسك بنبذ أي جزء من نفسك. نحن نُصاب بالكره الذاتي لأننا نثبّت صورة عن كيف نظن أنه يُستحسن بنا أن نكون اعتمادا على التكييف من عائلتنا، أترابنا، الزوج، الدين، و من المجتمع الذي نحيى فيه. الجزء المحزن في هذا هو أننا لن نكون مطلقا قادرين على أن نحيى وفق الصور، النسخ، النماذج، المعايير أو المفاهيم عن كيف نظن أنه يُستحسن بنا أن نكون. هذا موت بسيكولوجي نهائي.

4 thoughts on “الذات الأكبر و الذات المخلوقة

  1. ما أجمل أسلوبك، ما أجمل أناقتك الفكرية. وجدت أصداءاً جميلة في نفسي عندما أتيت إلى هنا. ممتن لأصالتك وعمقك. وأشكرك على إخباري أنك موجود معنا في الكون.

  2. التنبيهات: عظمتك تعتمد على هذا ( و هذا فقط ) | افــتـــح يا سمـسم

  3. التنبيهات: الكفاح | افــتـــح يا سمـسم

أضف تعليق